بقلم : Ghazali Hanane
لماذا نكتب ؟
نكتب لتمتص الحروف أحزاننا ، لتجفف دموعا علقت بين الأهداب وتشفي الألمَ المعتق في الوريد .
نكتب لترقص الحروف فرحا مع فرحنا ، لتبزغ كفجر سعيد و تمتزج الكتابة بضحكاتنا و أساريرنا.
نكتب لأنه لا مفر من الأحزان و الأفراح إلا إليها . تذكرنا بعد حين بمن نكون عندما نحزن أو نفرح. نكتب لنكتشف كيف تغسل ذنوبا لم نقترفها لكننا أدينا ضريبتها ، وكيف نشرب نخبا في كؤوس فارغة لم تثملنا بل دروب الحياة الملتوية ما أفقدنا الوعي .
نكتب لأنها تخطف أرواحا كنّا نبسطها على ورق أبيض وحبرا من دم الروح ، تخط به ما مات في قريحتنا ، حيث ندفنها ممددة أمامنا جميلة منمقة مرتدية ثوب البلاغة بهية بكل ندوبها ، ننتشي نصوصا قمة في الألم موغلة في الوجع ، نمارس القراءة بعد نثرها بكل سادية و مازوشية في آن الواحد .
نكتب عندما يخذلنا الاخرون، بعد أن يكون قد امتصوا رحيق حياتنا و دشنوا بذاكرتنا تذكارا أشبه بالمسخ ، عندما يدعون صدقهم في عز كذبهم و يلبسون أثوابهم المسروقة من خزانة الجمال.نكتب لأن طعناتهم تحتاج ألف غرزة وألف حرف .
نكتب عندما تشح الدنيا بملاليمها وقت الحاجة و كلما مددنا أيدينا إليهم ساومونا أجسادنا و أشياءنا التي لا تقدر بثمن.
نكتب لأنه يمضي زمن يسمعنا فيه الاخرون دون إصغاء، ترد الورقة صدى الكتابة على مسامعنا واضحة جلية غير مهملة تلك المعاني ، تحملها الينا كأم تعيد تراتيل المساء على مسامع وليدها.
نكتب لأن الكتابة ترجمة لصمتنا العالق في حلق المحارة ، لأن الحديث يصبح مرهقا مليئا بالتبريرات والشروحات المتعبة ، لأن ما يريدون سماعه لا يعنيهم في شيء سوى تغذية كبريائهم بالمجاملات او ارواء عطش فضولهم !
نكتب لانها الشيء الوحيد الذي يجعلنا ننتظر دورنا في العيادة حتى لا تقتلنا أوهامنا أننا مصابون بمرض خبيث و أن نهايتنا قريبة ، تعجل المسافة الزمنية بين اللحظة و قراءة اخر تحليل طلبه الطبيب او تذوب الطريق الرابطة بين قلوبنا و قلوب من نشد رحالنا اليهم في محطات المسافرين .
نكتب عندما ندرك أن الوطن بيع بالجملة في مزاد سري ، عندما لم نعد نملك ارضه سبورة لنا نخط عليها بطبشور قزم أمانينا . نكتب عندما نهجره و يتمكن حبه من قلوبنا كما تمكن حب ليلى من قيس فأرداه قتيلا ، و وضعنا على حافة التناقض فأحببنا مهجرنا و اصبح القلب معلقا بحبين ممزقا بين اثنين.
نكتب لنهزم الخوف فينا ، ذلك الوهم الذي يصيبنا بالشلل و الاعاقة تجاه كل شيء جديد و مختلف ، و يهدم صروحا جلست على عروشها أحلامنا المجيدة.
نكتب لان من ماتوا لم يدركوا الحياة في الكتابة و كيف يكون الخلود معلقا على طرف عبارة تكتب على قبورهم ، و لان كل ما كان علينا اخبارهم اياه و هو احياء خلف موعده مع الزمن فارتطم باحدى صفحات الكتب ، و لازلنا لم نتعلم كيف نسكب ذلك صوتا في اذان الاخياء ما قد لا يسع فعله بعد الموت .
من أجل ذلك ، سأظل أكتب و اغرس أظافري في ظهر الحياة كي لا تشيخ روحي لأن الكتابة مهربي الوحيد نحو الطهر و الشفاء.