ذاكرة مناجم الفوسفاط …نوستالجيا حي العرصة باليوسفية

الكاتب AHMED AANIBA بتاريخ 15/01/2022 على الساعة 15:57 - 229 مشاهدة

 احمد فردوس20191025_084007

فطن الفوسفاطي السي عباس الطالبي إلى ضرورة شراء بقعة إضافية من ماله الخاص بجانب قطعته الأرضية للتغرير بوالدي وإقناعه ببنائها للانتقال من قرية لمزيندة المنجمية إلى حي العرصة باليوسفية  بعدما كبر الأبناء وأضحت ضرورة متابعة الدراسة تستدعي ذلك بالإضافة إلى أمور أخرى تعتبر من أساسيات العيش ، وهكذا نجح السي عباس في مخططه الاجتماعي واستقطب بنفس الطريقة العديد من اصدقائه الفوسفاطيين أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصرالسي عبد الكريم والسي حيدة الذين شيدوا بيوتاتهم بمواصفات هندسية تقليدية تتوفر فيها شروط الحياة بكل مواصفاتها المعمارية المغربية الأصيلة رغم انعدام التجهيزات التحتية الأساسية والضرورية من ماء وكهرباء وقنوات صرف المياه العادمة ، لكن كل مساكن الفوسفاطيين بحي العرصة كانت تتوفر على حمام تقليدي فوق سطوح المنازل بجوار اسطبل خاص بتربية أضحية العيد وخم للدجاج وكانون لطهي الخبز ، وحفرة عميقة لتجميع المياه الملوثة ومرحاض تحت الدرج يستقبلك بمدخل الباب الرئيسي ، وغرف مؤثثة بأفرشة تقليدية من صناعة أمهاتنا الكادحات ، فضلا عن تزيين أرضية سطوان البيوتات بالزليج الملون بالأبيض والاسود أو الاصفر والأحمر .
هذا التجمع السكاني الفوسفاطي بحي العرصة وخصوصا بالزنقة  ـ 7 ـ  تجاورت فيه الأسر محملة بقيم التعايش والسلم والحب ، وثقافة التآزر والتضامن والسؤال عن الجار ، على متن قطار الحياة ، تجمع بشري قاسمه المشترك العيش في سلام واطمئنان ، وامتدت شرايينه لتضخ دماء الاندماج والوصل مع روافد إنسانية أخرى قادها قدرها إلى نفس المكان والزمان تمتهن حرف وأعمال مكملة لمتطلبات العيش والحياة ، حيث كان يقطن بجوارنا عائلات شريفة ومحترمة مثل أسرة لفقيه السي الجيلالي ، ولفقيه السي لحنيشي زوج الخوضة بائعة الداج البلدي ، و أسرة الفنان الشعبي العازف على الكمان الشيخ الحربيلي الحوزي ، وصديقه السي عبد القادر الدكالي ضابط الإيقاع الماهر ، والشيخ ولد حمداش ، والشيخ الرياحي ، والشيخ كريشة ، والشيخ البيدق ، والشيخة الدخنونية وفطومة ومينة والشهبة ، و وبائع الماء قيدي زوج القيدة مقلدة أم كلثوم في حمل المنديل ، و بعيطيط وفريخ المتنافسين على بيع مادة الفاخر ، وخالي محمد مول الفران ، والسي مسعود صاحب دكان المواد الاستهلاكية ، والفاطمي الجزار الحمري ، والسي مبارك حارس سقاية الماء الوحيدة التي تزود الساكنة بالماء نقلا بالدلاء الحديدية وبراميل بلاستيكية فوق عربات صنعة لهذا الغرض والسي ابراهيم المتخصص في تدبير مشاكل الدراجات الهوائية .
خلال يوم ” الكانزا ” الذي يعتبر يوم عيد مرتين في الشهر حين يتسلم آبائنا أجورهم من ” البيرو” يتحول الحي إلى فضاء طفولي نحتله بشغبنا البريء و برقصنا وركضنا عبر الأزقة لنسلم مستحقات كل المعاملات التي بدمة أسرنا نحو مول الما ، ومول الفران ، ومول الفاخر ، ومول الحانوت ، والجزار ، فضلا عن تسليم مستحقات فقهاء الحي دون أن ننسى الشيخة لفلان فلانية والشيخ لفلان لفلاني كدعم مستحق لمكانتهم الاجتماعية والإنسانية ، هذا السلوك المكتسب يمتد طول السنة مع ضرورة تخصيص حصة المحاصيل الفلاحية والزراعية  وعشور الكاعة ولبحيرة والدالية لكل من يستحقه بالزنقة ـ 7 ـ الممتدة من الحقول المجاورة لغابة العروك إلى حدود شجر الطلح الذي يفصلنا عن أراضي السكك الحديدية .
وعلى طول الزنقة 7 كان يضرب لقاء كل نهاية أسبوع لمتابعة سهرة التلفزة الوحيدة بمنزل السي عباس الذي يتحول بقدرة أواصر العشق إلى فضاء عائلي يضم كل الشرائح الاجتماعية القاطنة بالجوار على إيقاع كؤوس الشاي وطعام الكسكس المشترك …..وتختتم الليلة بأحلام طفولية تنتظر الكانزة المقبلة .


مواضيع من نفس القائمة

أضف تعليقك

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.