نهاية سعيدة !

الكاتب AHMED AANIBA بتاريخ 27/03/2019 على الساعة 13:39 - 837 مشاهدة

téléchargement (4)عبدالعزيز ترابي 

ككل صباح خرجت من منزلي الصغير حاملا كيس القمامة العفن قاصدا مكان رميه البعيد، كمصارع ” سومو ” ولو أن جسمي النحيف لا يوحي على أني رياضي بالمرة، وهو واقع لحالي، فأنا لا أزاول أية رياضة منذ إثني عشرة سنة تقريبا، من حماقتي أذهب كل تلك المسافة، فيكفي أن أرميه من نافذة المنزل، وسط الطريق و ينتهي الأمر، لا فرق كل الأماكن متشابهة من حيث مستوى النظافة. تخلصت منه ثم أخذت أسير نحو موقف الحافلات، ثارة فوق الرصيف إن وجد و أخرى في مسار السيارات المزركش بالحفر. رصيف قد قسم ما بين مقاهي و محلات تجارية و مواقف سيارات، أمر يدعو للعجب فهو لا يتحمل حتى أقدام التائهين مثلي في هذه المدينة . نتقاسم مع السيارات حيزها الضيق و نحن في تأهب أن تخطفنا إحداها إلى مستشفى الإقليمي على عجل، عفوا إلى مستودع الأموات المكتض بالجتت، فعند الوقوع سيتجمهر عليك الكثير من الفضوليين ذوي الحظ الوافر كيف لا؟ ستوفر عناء البحث وسيلة تسلية لتضييع بضع ساعات. يتحلقون حولك لتبدأ بتنشيط الحلقة ولكن بشكل معكوس، ستكون في المركز كمستمع رغما عن أنفك و المتحلقون هم الروات ، سوف يقومون بسرد كل الحوادث المشابهة لواقعتك إلى أن ينتهي الحكي عند مقابلة ” الكلاسيكو ” هذا إن أتت سيارة الإسعاف فإن تأخرت أكثر سينضاف إلى الحلقة مواضيع أخرى حول ثمن البطاطس و منهم من سيقوم بتلميع حذائه بجانب رأسك المحطم و هو يناقش جودة مادة التلميع . تأتي سيارة الإسعاف المتهالكة فيحملوك رجال الوقاية المدنية قرب شخص آخر قد خط كل جسمه بسكين بعد تعرضه للسرقة بالعنف، فيغلق عليكما رجل الوقاية المدنية باب المتهالكة ليجلس بين رأسيكما مباشرا بالسؤال حول تفاصيل الحادث دون انتظار جواب لأن حيثياته وصلت كوكب زحل ، فيأخذ بدوره الكلمة دون إذن ليتنفس ما يعيشه رفقة زوجته من مشاكل يومية حول مصاريف و لوازم البيت ، ومشاكل إبنه المراهق في ما يسمى ب ” الإلتراس ” ، و متطلباته الدراسية ولو أنه منقطع عنها جراء إضراب الأساتذة المفروض عليهم التعاقد ، أما إبنته مشكلتها مستعصية الحل فهي لم تتزوج بعد و قد بلغت 22 سنة ؛ يختم حديثه بطلب سيجارة مشتعلة حتى يكسر روتين الطريق المزدحمة إلى المستشفى ، بين الفينة و الأخرى يطل من النافذة و ينظر إلينا بقساوة كوننا كنا سببا في تأخره عن وجبة غذائه متمتما : “ضاع العدس”.
تصل الإسعاف وجهتنا، ينزلاننا كقطع متلاشيات ، مسحوبين إلى قاعة مكتظة بالاجسام المعطوبة ، تترأسها ممرضة سمينة ، تضع كميات كبيرة من المكياج، قبل أن تجد مكان لنا يجب علينا أن نقتنع اقتناعا كليا ومطلقا كمن سبقنا من المعطوبين و الممرضين و الحراس، بأن هذه الممرضة قد ظلمت من طرف جارتها ” حليمة ” ، و أن الأخيرة ليست تلك المرأة السخية الفاضلة كما يعتقدها الجميع، ” حليمة ” استغلت سفر الممرضة لتقوم بحفل ” سبوع ” لمولودها و لم تترك لها نصيبها من أكلة ” الرفيسة ” ، و أن أقتنع أيضا أن المؤامرة دبرتها ” الحاجة فاطنة ” التي كانت سببا في طلاق صديقتها ” شيماء ” … تتابع سردها ململمة أغراضها في حقيقبتها ثم تهمس في أذني عن إمكانية قرضها ثمن الطاكسي قبل أن تخبرنا أن الطبيب مزال منشغلا في مصحة خاصة لأصحاب الامكانيات الغير متاحة لنا طبعا، و أن طبيب المداومة سيكون بعد العاشرة مساء.
في انتظاره يجب علينا تدبر أمرنا في مكان نرتاح فيه من كل ما ذكر مسبقا، فوق أو تحت سرير لا يهم، ليس لدينا خيار، نحن تحت رحمة الأمر الواقع.
يأتي الطبيب الذي لن نراه بكل تأكيد فهو منهمك مع أصحاب الشواهد الطبية حتى يفرغ منهم، فالامر صعب جدا يتطلب مساعدة من طرف ممرضة أخرى و رجل أمن خاص ، مأجورين من طراف الزبائن ، يجمع الطبيب غنيمته و يرحل تاركا ورائه كل الأجساد المكلومة ، تاركا مساعديه يتبادلا أطراف الحديث حول كل وقائع هذه المدينة حتى وصل بهم الجدال حول واقعتي، فكانا لهما الفضل في معرفة أشياء كثيرة كنت أجهلها عن نفسي و عن محيطي العائلي و عن ظروفي الاجتماعية و غيرها من خصوصياتي.
تكثر الممرضة من التتاؤب و تستأذن الحارس للذهاب إلى النوم ليبقى المسكين وحيدا متنغما بالأنين. يخرج مذياعه الصغير و يبحث عن برامج الأنس في انتظار موعد الأخبار و كنت من المنتظر معه حتى أسمع أحوال البقية في هذا المستشفى المستنقع.

تنطلق موسيقى تقديم النشرة الإخبارية و بعدها مباشرة صوت مديعة جميل يبارك لنا هذا اليوم.

اليوم العالمي السعادة.



مواضيع من نفس القائمة

أضف تعليقك

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.