اكتب سطوري من أعلى قمة ذلك الماضي
وأبدع بحروفي من أرقى أنين الحاضر
ربما خالجني الإحساس أن أقول أن الماضي ورقة خريفٍ قد سقطت واندثرت
ولربما تكون أياماً وانتست
ولربما تكون زماناَ وارتحل
ولربما تكون لحظات وغرقت في بحر الموت
ولكن ما أحلاها من لحظات وما أعذبها من لمسات
كان سني حينها يناهز السبع سنوات. ذات يوم عيد من أيام يوليوز القائظة، منحني والدي 44 ريالا (2،20 درهما). أبناء جيلي سيعرفون حتماً أنها ثمن تذكرتين لدخول سينما الحمراء باليوسفية. أمرني الوالد أن أصطحب الصغيرة فاطمتو، ابنة عمتي الموريتانية التي كانت تعيش بيننا، لمشاهدة فلم هندي بسينما الحمراء. ارتدت فاطمتو فستانها الجديد، فستان العيد، و انتعلت حذاءها الجديد، حذاء العيد، أعطتني يدها و هي تكاد تطير من الفرحة، ليست فرحة العيد، بل فرحة اكتشاف عالم سينما الحمراء، ذلك العالم الأسطوري الذي طالما استمتعت بحذيثنا عنه، نحن “اولاد الدرب”، حين كنا نتسابق لحكي قصص الأفلام لبعضنا لساعات طويلة، دون كلل أو ملل.
فين خليناها ؟ إيَّهْ، الحاصولْ و ما فيهْ و صلنا إلى سينما الحمراء. كان عليَّ أن أخوض غمار ازدحام شديد للحصول على التذكرتين. أشرتُ إلى فاطمتو أن “انتظريني هنا، غادي نتزاحم عل لوراق، و لكن ملي نوصلو عند الباب ديال ابّا العربي، ضربي على راسك”.
وقفت فاطمتو تنتظر بصبر و شغف. بلغتُ الشباك بعد عناء شديد، و سب و شتم و وعيد. نهرتني القائمة على الشباك قائلة أن بلايص ثنين و عشرين (22 ريال) عمْرو. لم أتردد وهلة، فلا مجال للتفكير تحت وابل السب و الشتم و الوعيد. اشتريت تذكرة من الدرجة الثانية (32 ريال). عدتُ إلى فاطمتو. نظرت إليها بحسرة. ضربت يداً بيد قائلاً “ماعندك زْهَرْ آ فاطمتو”.
عادت فاطمتو إلى البيت بخُفَّيْ حُنَيْن، دون أن تشاهد الفلم ولا أن تتعرف على ابَّا العربي ولا هم يحزنون. أما أنا فقد ذخلت السينما و قلبي يرقص فرحاً بالإثنتيْ عشر ريالاً، التي سأحصل بدلها، خلال لونتراكت (الاستراحة) على عشرات قطع الحلوى والعلكة اللذيدة غير ابه بالعلقة الساخنة التى كانت تنتظرني بالبيت.