الجديدة: يوم دراسي حول واقع السياسات العمومية والبرنامج التنموي المامول بالمغرب

الكاتب AHMED AANIBA بتاريخ 20/11/2017 على الساعة 10:49 - 844 مشاهدة

23574280_867846870048986_1406582604_nهاجر شرفي

يعتبر موضوع واقع السياسات العمومية من المواضيع التي بدأت تلقي اهتماما من قبل علماء السياسة، كما بدأت المدارس و الجامعات تولي اهتماما متزايدا، حيث نرى أن مجموعة من الباحثين قد أسهموا فعلا في دراستها و تحليل نتائجها مع أنهم اختلفوا في كيفية تناول الموضوع فمنهم من يرى أن العمليات و ليس السياسات هو ما ينبغي التركيز عليه، وهناك من يرى ضرورالخوض في تفاصيل العمليات و السياسات العامة معا. received_869634773203529 

ومدخل السياسات العامة في العلوم السياسية يهتم بكلا المجالين، فيركز على مشاكل السياسات العامة كالتضخم و تكافؤ الفرص في التشغيل، ومن تم يأتي الاهتمام بما تم عمله وكيف تم ذلك و ما هي انعكاساته و نتائجه، ثم يعرج على دور المؤسسات و العناصر السياسية كدور الرأي العام أو المجتمع المدني لكونها تساعد في تحديد نوع الفعل الصادر من الحكومة إزاءها. فما المقصود بالسياسات العمومية ؟
سنعطي تعريفا من خلال مثال، فنقول : إن نتيجة الإصلاحات المتعاقبة على ميدان التعليم وتعريفه وتفسير نظامه، وإحداثه لبرامج استعجالية للنهوض به دون أن يواكب ذلك إدماج الخريجين في الحياة العملية، كل هذا أدى إلى الإحباط و العزوف عن التعليم و التكوين عند طائفة كبيرة من الشباب، بل أبعد من ذلك فقد تزايدت النقمة و الكراهية للحكومة من جانب المتخرجين منهم وفقد أغلبيتهم ثقتهم بها.

من نافلة القول في هذا السياق، أن الدول التي تمكنت من الإنخراط القوي في درب التنمية هي تلك التي توصلت إلى إستلهام الروح العميقة لتحديات العولمة ومواءمتها مع الشروط التنموية المطلوبة، وذلك لكون التنمية لا تقوم لها قائمة سوى من خلال المقاولة والمبادرة الحرة وكذا التخطيط الذي يشيد بهما المختصون في الميدان الإقتصادي، حيث تتم المزاوجة بين عنصري المصلحة العامة والخاصة مما يحقق العدالة الإجتماعية.

ذلك أن الدول التي تحكم بفعالية ودينامية حقلها الاقتصادي، وتُحتسب على نادي الدول الصاعدة، هي تلك التي تمكنت من تبويء القطاع الصناعي مكانة الريادة في خلق الناتج الوطني، وما التجارب الدولية لكل من كوريا الجنوبية والبرازيل والهند إلا خَيْرُ نموذج على صدقية هذا الطرح. فهذه الدول شكلت نماذج للدول المتماسكة والأكثر فعالية في تشجيع التصنيع على الرغم من تباين قدراتها على مواصلة التحول الإقتصادي.

فالحجة التاريخية المستوحاة من تجربة هذه الدول هو أن إنشاء الدولة الفعالة تنمويا يتطلب كشرط أولي القدرة على استقطاب الاستثمارات الصناعية، وتسخير سلطة الدولة على النحو الذي يؤثر بشكل حاسم في السياق الاقتصادي.received_869634859870187 (3)

فالتركيز الأساسي لهذه النماذج يتمثل في أن المحدد الصناعي حاسم في فهم طبيعة النمو الإقتصادي لأي دولة، ويبقى كذلك هذا النمو الإقتصادي عنصرا أساسيا في فهم نموذج التنمية المعتمدة. ذلك أن مفهوم التنمية المستدامة يدور حاليا حول فلك البعد الإقتصادي الذي يدرج أهداف النمو الإقتصادي والفعالية، وكذا البعد الاجتماعي الذي يسعى للإستجابة للحاجيات الإنسانية وتلبية الأهداف الأخلاقية والانسجام الاجتماعي من خلال إشراك الصحة والسكن والشغل والثقافة والتعليم وغيرها من المجالات الاجتماعية الحيوية الأخرى، بالإضافة إلى البعد البيئي الذي يسعى إلى حماية وتحسين وتقييم البيئة والموارد الطبيعية على المدى الطويل.

ولئن ظل القطاع الفلاحي يشكل عصب النسيج الإنتاجي المغربي، إلا أن قيمته المضافة من منظور التجارة الخارجية لا تُمكن من تحقيق نتائج تنافسية بسبب ضعف العرض التصديري مقابل ثقل الواردات الصناعية على ميزان الأداءات. بل حتى الولايات المتحدة الأمريكية المترامية الأطراف جغرافيا والعملاق  الاقتصادي والاستراتيجي لا يُشَغل القطاع الفلاحي بها سوى 1% من مجموع اليد العاملة الأمريكية، ولا يساهم هذا القطاع سوى بنسبة 2 %  من الناتج الداخلي الإجمالي.

ومما لاشك فيه أن محددات الإستقرار السياسي والاقتصادي تنطلق من فرضيات الثقة والحكامة الجيدة والأداء الإقتصادي وكذا العلاقة السببية القائمة بين كل هذه المتغيرات. والملاحظ أن مؤشر الثقة الذي ترسخ لدى وكالات التنقيط الدولي عشية البدء في عمليات الإصلاح التي شرعت في تطبيقها الحكومة في المجالين الإقتصادي والمالي، والذي ترجمته العديد من المؤشرات الإيجابية في هذا المجال، لدليل على مصداقية وفاعلية المنهجية المتدرجة التي تتبناها الحكومة في هذا الإطار.

والتابث علميا أن هذا الوضع يدعونا إلى ضرورة الربط بين هذه المؤشرات التي تدمج ما بين معطى الإنسجام الإجتماعي وأسلوب الحكامة المتبع وكذا مستوى النمو الإقتصادي، مما يسمح بالقول أن نموذجا تنمويا جديدا هو بصدد التأسيس والبناء وهو نموذج التنمية الموجهة القائم على رجحان القيمة المضافة للصناعة في مدخلات الناتج الوطني الإجمالي.

فخصوصيات السياق الجديد للمشهد السياسي، تدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تبني مقاربة التعاون والتنسيق بين مختلف المؤسسات والفاعلين في عملية تنزيل الإصلاح، لأنها عملية مستمرة، لا مجال فيها للتراجع الديموقراطي أو تغليب منطق التدافع السياسي بين المكونات الحزبية. ذلك أن الحفاظ على الصورة المستقرة للاقتصاد المغربي لدى العالم ولدى وكالات التنقيط الدولي تحتم على جميع الفاعلين العمل بمنطق الحيوية والنقد البناء بدل أسلوب التشويش والعدمية.

وفي هذا السياق، إنصرف المجهود الحكومي من خلال خارطة طريق السياسات العمومية المتمثل في قانون المالية لسنة 2015 إلى تسخير الموارد العمومية تحقيقا للإقلاع الصناعي وخدمة لمتطلبات التنمية المستدامة، وذلك من خلال التركيز على فعالية النفقة العمومية إنسجاما مع مطلب دعم الإلتقاء بين السياسات القطاعية والاهتمام بالقطاعات الأكثر إنتاجية و التي توجد على رأسها الصناعة.

وتنزيلا لهذه السياسة، تم توجيه الإستثمار العمومي نحو تأهيل البنية التحتية وتسريع الإستراتيجيات القطاعية كتفعيل المخطط الوطني لتسريع التنمية الصناعية 2014-2020، والذي يهدف خلق 500 ألف منصب شغل نصفها من الإستثمارات المباشرة الأجنبية والنصف الآخر من النسيج الصناعي الوطني المتجدد، ووضع آليات الدعم المالي والتقني من خلال إحداث صندوق التنمية الصناعية والاستثمارات بغلاف مالي يقدر بثلاث ملايير درهم، و ذلك في أفق الرفع من حصة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام بـ 9 نقط لتبلغ %23 سنة 2020، دون إغفال توزيع الإستثمارات العمومية وفق منظور يدمج العدالة المجالية.

فالعمل الحكومي جاد في مسعاه، لأنه يَرْقُبُ انتظارات المواطنين و يستشعر أنين الشارع، كما يستشرف الأفق الذي ارتضاه جلالة الملك محمد السادس الذي يسعى إلى إدخال المغرب نادي الدول الصاعدة، بعدما راكم مشروعه التنموي أشواطا مهمة في هذا الشأن، و لن يتأتى ذلك إلا من خلال حكومة إجتماعية قريبة من المواطن و تنمية موجهة تصنع الثروة الوطنية.

فالزمن السياسي يفترض أن ينصرف الذكاء الجماعي نحو تدبير الموارد العمومية و توجيه الإنفاق العام لصالح القطاعات المنتجة للثروة، وذلك على النحو الذي يحول الرأسمال البشري إلى دعامة حقيقية للنهضة الشاملة لبلدنا، ورافعة لدولة قوية إقتصاديا وقادرة على تحقيق تنمية مستدامة ترتكز على الإنتاج الصناعي التنافسي، وتبلور مشروع نظام إنتاجي وطني ممركز على الذات يستمد نجاعته من خلال سياسات عمومية مندمجة تضمن المشاركة للجميع في عائدات النمو وتكفل توزيعها بكيفية منصفة و مجزية.



مواضيع من نفس القائمة

أضف تعليقك

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.